اذا فلا يمكن الحديث عن الأحداث التي حصلت في العام 2011 بمعزل عن 14 يوما من العام الذي سبقه لكي لا نظلم أحاد ولكي لا نتورط في تزييف التاريخ الذي بدأ يوم 17 ديسمبر 2010 وما بعده كان نتاجا لما حصل يومها.
✠ 17 ديسمبر أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه وهو ما تسبب في اندلاع مواجهات بين مئات الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن خلال يومي 18 و19 ديسمبر، وكانت المظاهرة للتضامن مع محمد البوعزيزي والاحتجاج على ارتفاع نسب البطالة والتهميش والإقصاء في هذه الولاية الداخلية، وانتهت الاحتجاجات باعتقال عشرات الشبان وتحطيم بعض المنشآت العامة.
✠ يوم 21 ديسمبر توسعت دائرة الاحتجاجات بولاية سيدي بوزيد لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان حيث خرج السكان في مسيرات حاشدة للمطالبة بالعمل وحقوق المواطنة والمساواة في الفرص والتنمية.
✠ يوم 24 ديسمبر شهدت الأحداث تطورا خطيرا بولاية سيدي بوزيد حيث اتخذت الاحتجاجات السلمية شكل انتفاضة شعبية شملت جميع مدن الولاية، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المسيرة السلمية في مدينة منزل بوزيان مما أسفر عن مقتل الشاب محمد العماري وهو أيضا من حاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل وجرح عدد آخر من المتظاهرين ، كما عمدت قوات الأمن إلى اعتقال عدد كبير منهم.
✠ يوم 25 ديسمبر تجمع المئات من النقابيين والحقوقيين في ساحة محمد علي في تونس العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد وللاحتجاج على قمع المسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحي ضد المحتجين والذي تسبب في سقوط قتيل وعشرات الجرحى .
✠ يوم 27 ديسمبر انتقلت الحركات الاحتجاجية إلى مدن وولايات أخرى في تصعيد خطير للأحداث حيث رفع المتظاهرون في مدن تونس وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة شعارات مساندة لأهالي سيدي بوزيد ومنددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع البطالة في عدد المدن التونسية والمطالبة بتنمية عادلة . في حين واصلت وسائل الإعلام المحلية والرسمية تجاهل هذه التحركات الاجتماعية التي أخذت تتوسع شيئا فشيئا.
✠ يوم 28 ديسمبر جاء أول رد رسمي للرئيس المخلوع على الاحتجاجات الشعبية في خطاب متلفز بثته القناة الرسمية تونس 7 ، أدان فيه « أعمال الشغب» و قال إنها تضر بصورة تونس لدى المستثمرين وتعهد بتطبيق القانون « بكل حزم» ضد المأجورين والمتطرفين» .
✠ يوم 30 ديسمبر وسعيا لتدارك الموقف والفوز بعطلة رأس سنة هادئة قام المخلوع بتعديل وزاري محدود شمل تعيين وزير جديد للاتصال ووزير جديد للشباب والرياضة ووزير جديد للشؤون الدينية، فيما رفعت ليبيا القيود الإدارية المفروضة على التونسيين الراغبين في السفر والعمل في ليبيا وأمر معمر القذافي بمعاملتهم كمواطنين ليبيين.
الـ 14 الحاسمة
✠ أيام 30 و31 ديسمبر تمكن المخلوع من تمضية عطلة هانئة حيث شهدت البلاد خلالها نوعا من الهدنة التي لم تعمر طويلا ففي
✠ 3 جانفي شهدت مدينة تالة مواجهات عنيفة بين محتجين وقوات الأمن استخدمت فيها الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي ما أسفر عن سقوط عدد كبير من الجرحى.
✠ يوم 5 جانفي توفي البوعزيزي متأثرا بجراحه بعد 18 يوما من محاولته الانتحار أمام مقر ولاية سيدي بوزيد وخرجت المظاهرات في تالة عن سيطرة قوات الأمن بعد إحراق المتظاهرين لمقر الحزب الحاكم ومبنى للشرطة ، وقوات الأمن تستنفر كل إمكانياتها الأمنية لقمع المتظاهرين.
✠ يوم 6 جانفي نظم المحامون اعتصاما في أروقة المحاكم احتجاجا على الاضطهاد الأمني.
✠ يوم 8 جانفي جاء رد السلطة بقتل 6 أشخاص في مدينة تالة وشخصين في القصرين في مظاهرات عنيفة عمت منطقة الوسط الغربي للبلاد.
✠ يوم 9 جانفي لم ينتظر التونسيون طويلا حتى تصل الاحتجاجات الى معقل النظام حيث اندلعت الاحتجاجات يومها وبقوة في العاصمة واتسمت بتصاعد العنف خلال الاحتجاجات التي رفعت لأول مرة شعارات ضد الحكومة. واستعملت قوات الأمن الرصاص الحي ضد المحتجين إضافة الى إضراب 95 بالمائة من المحامين، وسقوط أكثر من 35 قتيلا في مدينتي القصرين وتالة حسب مصادر نقابية.
✠ يوم 10 جانفي أخرجت وتيرة الأحداث بن علي من عطلته ليلقي خطابه الثاني لمحاولة تهدئة الأوضاع وتقديم حلول للخروج من الأزمة ، ووعود بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة لاحتواء نسب البطالة المرتفعة لدى حاملي الشهادات. شريحة واسعة من المواطنين لا ترى خطاب بن علي مقنعا وكافيا لإخماد الاضطرابات. وتعليق الدروس في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى.
✠ يومي 12 و13 جانفي كان الرد الشعبي على ذلك الخطاب أن انتشرت المظاهرات في العاصمة وبلغت الأحياء الشعبية التي تعاني الفقر وسوء التجهيزات كحي الانطلاقة والتضامن. وحرقت بعض مقرات الحزب الحاكم . وفي المقابل أفرطت الشرطة في استخدام العنف مما أسفر عن سقوط 35 قتيلا في مدن الوسط والشمال الغربي خلال يومين. وقمع مظاهرة نظمها الفنانون التونسيون أمام المسرح البلدي في العاصمة.
لم تكن اجراءات المخلوع كافية لتهدئة الشعب خرجت الأمور عن السيطرة مما دفعه الى البدء في تقديم أكباش الفداء فعزل وزير الداخلية وعين وزيرا جديدا فيما خلف القمع المتواصل قتلى في مدن من الجنوب التونسي لأول مرة وبالتحديد في مدينة الحامة من ولاية قابس وفي مدينة توزر وفي مدن الوطن القبلي وانتشر الجيش في العاصمة وأغلب المدن الكبرى. وفرض وزير الداخلية الجديد حظرا لتجول ليلي في مدن تونس الكبرى ولأجل غير محدد لكن ذلك لم يحل دون مزيد تدهرو أوضاع النظام.
✠ ليلة 13 جانفي خرج المخلوع مرتبكا خائفا لا يعرف كيف سيقنع ذلك المارد الذي اسمه الشعب بالعودة الى الهدوء فألقى خطاب الوداع الذي كان متأكدا وهو يلقيه بأنه لن يغير الكثير.
✠ وفي صبيحة 14 جانفي كان الهدوء السمة الأبرز قبل وصول طوفان المتظاهرين الذين غزوا شارع الحبيب بورقيبة مطالبين المخلوع بالرحيل ولأول مرة في تاريخه لم يتأخر في الاجابة على مطالب الشعب فقد استقل طائرة اللا عودة الى السعودية.
بعد مغادرة بن علي إلى السعودية في 14 جانفي 2011 أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك استنادًا على الفصل 56 من الدستور التونسي والذي ينص على أن لرئيس الدولة أن يفوض الوزير الأول في حال عدم تمكنه من القيام بمهامه، غير أن المجلس الدستوري أعلن إنه بعد الإطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول وإن الرئيس لم يستقل، وبما أن مغادرته حصلت في ظروف معروفة وبعد إعلان الطوارئ وبما أنه لا يستطيع القيام بما تلتزمه مهامه ما يعني الوصول لحالة العجز النهائي فعليه قرر اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس.
✠ أعلن في يوم السبت 15 جانفي 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا حسب ما نص عليه الدستور.
✠ يوم 17 جانفي تشكيل حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول محمد الغنوشي شارك بها عدد من زعماء المعارضة، وأعلن الغنوشي أن الحكومة ستعمل بعيدًا عن الأحزاب السياسية، كما أعلن عن حاجة الحكومة إلى ستة أشهر على الأقل قبل إجراء الانتخابات العامة، كما أكد على التزام حكومته بالإفراج عن السجناء السياسيين وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاربة الفساد السياسي والتجاوزات والتحقيق مع أصحاب الثروات الهائلة أو المشتبه في فسادهم.
✠ وفي 27 جانفي أطاح الشعب بهذه الحكومة وقد تم إعادة تشكيلها وقد قدم الوزير الأول محمد الغنوشي يوم 27 فيفري استقالته أمام القنوات التلفزية في نقل مباشر وقد أوكل الرئيس التونسي المؤقت فؤاد المبزع الوزير المتقاعد الباجي قائد السبسي في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بتشكيل حكومة جديدة وقد شكلها وترأسها في يوم 7 مارس 2011.
المصدر : الشروق