كان عام 2011 حافلا بالتطورات والأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية التي ميزت المشهد التونسي والتي سيذكرها التاريخ المعاصر...ففيه أزيح الستار عن نظام سياسي استبدادي شمولي دام لسنوات عديدة، حيث أعلنت حادثة انتحار الشاب "محمد البوعزيزي" أصيل ولاية سيدي بوزيد عن بداية الحرب ضد الإقصاء والتهميش...
وانطلقت المواجهات بين مئات الشبان في منطقة سيدي بوزيد وقوات الأمن ثم توسعت دائرة المظاهرات واتخذت الاحتجاجات السلمية شكل انتفاضة شعبية شملت مناطق عديدة من البلاد التونسية وتجمع المئات من النقابيين والحقوقيين في ساحة محمد علي في العاصمة للتعبير عن تضامنهم مع أهالي سيدي بوزيد وللاحتجاج على قمع الحريات والمسيرات الشعبية والاعتقالات واستعمال قوات الأمن للرصاص الحي ضد المحتجين مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى .
انتقلت الحركات الاحتجاجية إلى مدن أخرى في تصعيد خطير للأحداث شملت ولايات أخرى تونس الكبرى وصفاقس والقيروان والقصرين وتالة ومدنين وقفصة ورفعت شعارات منددة بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع البطالة والمطالبة بتنمية عادلة...
وفاة الشاب محمد البوعزيزي في 5 جانفي 2011 أوقدت نار الاحتجاجات الشعبية في تونس وخرجت المظاهرات عن سيطرة قوات الأمن بعد إحراق المتظاهرين لمقرات الحزب الحاكم والعديد من مراكز الأمن والمؤسسات العمومية.
ولأول مرة في تاريخ تونس رفعت شعارات ضد الحكومة وأضرب 95 بالمائة من المحامين واستنفرت قوات الأمن كل إمكانياتها الأمنية لقمع المتظاهرين واعتقل العديد من المدونين والمعارضين.
وشارك في الانتفاضة الشعبية رواد الشبكات الاجتماعية الذين فضحوا ممارسات النظام الاستبدادي في البلاد وقاموا بتبادل المعلومات ونشرها لرص صفوف المظاهرات وإتباع نهج المقاومة أدت إلى فرار بن علي بعد أن ألقى خطابه الأخير في 13 جانفي 2011.
وعاش التونسيون أياما عديدة من الذعر والقلق بسبب عمليات التخريب والقتل التي تقوم بها مليشيات من الحرس الرئاسي السابق، وكانت تونس العاصمة بعد مغادرة بن علي البلاد مسرحا لتصفية الحسابات ومداهمات عنيفة ارتكبها موالون لبن علي وحزب التجمع الدستوري المنحل...
وأعلن حضر التجول وتحول شباب الثورة التونسية إلى حراسة الأحياء السكنية ضمن لجان شعبية بمساعدة الجيش الوطني.
وتتالت الإضرابات والاضطرابات ورفعت الهتافات "بتحسين الأجور" وشعارات "ضد الفساد والاستبداد" فكانت اعتصامات القصبة 1 و2 وملاحقة رموز نظام بن علي وأيضا تشكيل الحكومة الانتقالية التي ساهمت في نقل البلاد إلى مرحلة الانتخابات وابتكار نظام سياسي يرضي الشارع التونسي...
فتكوّن المجلس الوطني التأسيسي وضم ممثلين من مختلف التيارات والتوجهات, انطلقت بفوز مصطفى بن جعفر برئاسة المجلس وتكوين كتلة المعارضة لتجسد دور الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ثم انتخاب المنصف المرزوقي رئيسا للبلاد وتعيين حمادي الجبالي على رأس الحكومة وسعى هذا الأخير إلى تشكيل الحكومة وتقسيم التركة بين الترويكا أكبر الأحزاب فوزا في الانتخابات.
وتزامنت أعمال المجلس بمظاهرات حاشدة سميت باعتصامات باردو وطالب خلالها المعتصمون بتحقيق أهداف الثورة وعدم الانحياز عن مسارها...وسط دعوة رئيس الدولة إلى هدنة سياسية لمدة ستة أشهر....رافقتها التعجيل بالمصادقة على ميزانية الدولة لسنة 2012.
لتبدأ الحكومة المؤقتة مرحلة جديدة مشبعة بالآمال والوعود بإرساء الديمقراطية وتكريس مبدأ الحرية الإعلامية وتحقيق التنمية الاقتصادية والتوازن بين الجهات و النظر في ملفات الشهداء وتحقيق مطالب الثورة...
هي في الواقع وعود تنتظر تحقيقها وسط واقع يتميز بالضبابية والغموض , فتوضيح ملامح المستقبل في تونس لا يحتاج إلى عراف أو منجم وإنما يتطلب الصبر الطويل...فإلى أين المصير؟