القضية كشفت، أمرا خطيرا متعلقا بالفساد السياسي أو ما يعرف بالمالي السياسي الملوّث، اذ تفيد الوقائع بأن الليبي ميلاد عبد السلام الذي فقد عائلته عندما كان صغيرا فاحتضنه العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي في منزله، للقرابة بينه وبين عائلة عبد السلام.. بعد الثورة الليبية التي أسقطت القذافي ونظامه، تمكّن ميلاد عبد السلام، وهو شاب في العقد الرابع من عمره، من دخول البلاد التونسية بشكل شرعي،واستقرّ مع عائلته في توسن العاصمة حيث تسوّغ شقة.
وقد تبيّن للسلطات التونسية أن البوليس الدولي «الانتربول» قد أصدر مذكّرة إيقاف دولية ضدّه لتعلق تهم لدى السلطات الليبية الجديدة به.
وتمكن الباحثون في تونس من القاء القبض عليه، وهو الآن موقوف بالسجن المدني بتونس، في انتظار صدور طلب من السلطات الليبية بتسليمه.
وفي مثل هذه الحالات تقدّم السلطات الليبية مطلبا مفصلا في طلب تسلّم المتهم الى وزارة الخارجية التونسية التي تحيل المطلب الى وزارة العدل التي بدورها تحيل الملف على أنظار القضاء. وحسب مجلّة الاجراءات الجزائية، فإن دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس هي المختصة قانونا دون سواها في النظر في قضايا تسليم «المتهمين الاجانب».
لكن ما حكاية هذا الرجل؟ وأي علاقة لأحد الاحزاب السياسية المعروفة به؟
هذا السؤال طرحه أحد السماسرة، أو أحد الوسطاء العقاريين، الذي طلب منه أمين عام حزب سياسي ومندوب دائم لدى الأمم المتحدة أيضا مساعدته على إيجاد مقرّ لائق بحزبه في جهة البحيرة بالعاصمة، وهي من أرقى وأثمن المناطق والعقارات في البلاد.
وكان أيضا قد توسط في ايجاد محل للسكنى لميلاد عبد السلام، وقد تعرّف الشخصان الى بعضهما وأصبحا يلتقيان بشكل متواتر ودوري مما أثار انتباه السمسار، الى أن ألقي القبض على الليبي، ثم فجأة اختفى أمين عام الحزب المعني، وهو في الآن ذاته مندوب دائم لدى الأمم المتحدة!
ولم يتمكن السمسار من العثور على الأمين العام حتى في العنوان الوارد ببطاقة الزيارة (carte de visite).
بقي الأمر غامضا، إلاّ أن الحقيقة كانت مرتبطة بأمر خطير.
«الشروق» حصلت على وثيقة هي بمثابة محضر ايقاف مؤرخ في السابع من ديسمبر 2011 بين الليبي أو الابن الروحي للقذافي والتونسي الأمين العام للحزب السياسي، وقد ورد بالاتفاق بأن يتولى الليبي فتح حساب جار بأحد البنوك التونسية ويتمّ في هذا الحساب ايداع مبلغ 25 مليون أورو، أي ما يعادل 50 مليارا من المليمات التونسية ويودع المبلغ من خارج تونس وتحديدا من بنك فرنسي هذا في مرحلة أولى.
وفي مرحلة ثانية يسلم الليبي المبلغ المالي الى الأمين العام للحزب السياسي مقابل حصوله على عمولة قدرها مليونين و500 ألف أورو أي ما يعادل قرابة الخمسة مليارات من المليمات التونسية وهي نسبة 10 بالمائة من المبلغ الجملي بعنوان عمولة.
لكن السؤال الذي يظل مطروحا، ماذا يفعل الأمين العام للحزب بهذا المبلغ الضخم، هل نحن بصدد المال السياسي القادم من أوروبا؟
حسب الروايات التي حصلنا عليها من أطراف لها صلة بالقضية، فإن الأمين العام المعني اتصل بالشخص الليبي وأعطاه نسخة من الشيك المتضمّن مبلغ 25 مليون أورو للمتسفيد ميلاد أبو زيتاية عبد السلام صادر عن مهدي بن فطوم، وطلب منه أن يسلمه مبلغ 16 ألف أورو كتسبقة الى حين وصول المبلغ المالي الجملي وايداعه بحسابه البنكي.
السؤال أيضا، لماذا اضطرّ الأمين العام لليبي ليفتح حسابا بنكيا ينزل فيه المبلغ المالي؟
والجواب، لأن القانون التونسي يمنع على الأمين العام للحزب السياسي بأن تصل الأموال الى حسابه، حتى لا يتمّ اتهامه بتلقي أموال أجنبية، لذلك فهو يحصل عليها عبر الوسيط.
مصادرنا تفيد بأن الأمين العام تسلم فعلا مبلغ 16 ألف أورو الذي طلبه من الليبي بعنوان تسبقة، ثم اختفى.
منجي الخضراوي
المصدر : الشروق