تعطل عمل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة بوفاة رئيسها المرحوم عبد الفتاح عمر، فأي مصير لآلاف ملفات الفساد التي بحوزتها الآن؟
ذكرت مصادر مطلعة أن ما لا يقل عن 6000 ملف فساد مالي ورشوة موجودة الآن برفوف مقر اللجنة بشارع خير الدين باشا تنتظر مصيرها الغامض بعد وفاة رئيس اللجنة مطلع الاسبوع الماضي . فقد تعطلت أشغال النظر في هذه الملفات ، وأغلبها من الوزن الثقيل في انتظار ما سيتقرر في شأنها ، كما تعطلت داخل اللجنة بوفاة رئيسها أعمال التقصي والتحقيق وتلقي الوثائق والمستندات اللازمة من الاطراف العمومية أو الخاصة .
وكانت اللجنة قد نظرت منذ احداثها في حوالي 5500 ملف وبتت في بعضها وأحالت البعض الآخر للقضاء (400 ملف). ومن آخر الملفات الثقيلة المحالة على القضاء عن طريق رئيسها المتوفى تلك المتعلقة بالمستحقات المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتخلدة بذمة اتحاد الشغل وعدد من المقربين من الرئيس المخلوع (اشخاص ومؤسسات) .
بأيدي الرئيس
ينص القانون الـمُحدث للجنة (مرسوم 18 فيفري 2011) على ان رئيسها يسهر على سير أعمالها ويرأس جلساتها ويمثلها قانونيا ويحفظ وثائقها وعلى انها تجتمع بدعوة من رئيسها وعلى أنها تتخذ قراراتها بالأغلبية ويكون صوت الرئيس مرجحا عند تساوي الأصوات. كما ينص على أن رئيس اللجنة هو الذي يقوم مباشرة بأبرز المهام باسم اللجنة من ذلك مثلا أن يطلب من السلط المختصة اتخاذ الإجراءات التحفظية المناسبة ضد مرتكبي مشبوه فيهم بارتكاب الفساد والرشوة أو تلقي تصاريح حول الفساد والرشوة بصفة مباشرة من المصالح العمومية بما في ذلك مصالح الرقابة والتفقد ومن كل شخص مادي أو معنوي ومن محافظ البنك المركزي التونسي و من رئيس هيئة السوق المالية و من رئيس بورصة الأوراق المالية ومن رئيس مجلس المنافسة و من كل الهيآت الأخرى المعنية. وكل هذا يؤكد انه من المستحيل أن يتواصل عمل اللجنة دون رئيسها.
معاينة الشغور
مباشرة اثر وفاة عبد الفتاح عمر ، اجتمع أعضاء اللجنة مؤخرا وعاينوا حالة الشغور في رئاسة اللجنة وتبينت لهم الاستحالة القانونية لمواصلة مهامهم بالنظر إلى ما ينص عليه مرسوم 18 فيفري ، وبالنظر أيضا إلى أن تعيينهم كان عن طريق الرئيس المتوفى.
مراسلة الجبالي
اثر هذا الاجتماع، توجه أعضاء اللجنة بمراسلة إلى السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة للفت نظره إلى تعطل أعمال اللجنة ولدعوة الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها في ما يتعلق بحماية الملفات الموجودة الآن لدى اللجنة او التي هي بصدد تلقيها . كما اتصل أعضاء اللجنة بوزارة الداخلية ووزارة الدفاع لطلب توفير الحماية اللازمة للملفات داخل مقر اللجنة بشارع خير الدين باشا.
مأزق ينتظر الحل
صدر في 14 نوفمبر 2011 مرسوم إطاري ينص على احداث هيئة عمومية مستقلة تسمى «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» لتحل محل اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة (لجنة عبد الفتاح عمر) وتحال إليها الملفات والوثائق عند الانتهاء من استكمال إجراءات تكوينها . وبالتالي يمكن القول أنه من الناحية القانونية تبقى اللجنة الحالية قائمة إلى حين استكمال احداث الهيئة الوطنية.
غير أن إحداث هذه الهيئة الوطنية لم يتم بعد وبات ملف مكافحة الفساد والرشوة الآن – على أهميته القصوى – معلقا و في مأزق، رغم أن كل الاطراف تؤكد على أن داء الفساد المالي والإداري والرشوة ما زال ينخر مجتمعنا ومؤسساتنا العمومية والخاصة . كما أن أكثر من 6000 ملف فساد موجودة الآن لدى اللجنة في حاجة إلى النظر فيها بشكل عاجل حتى لا تضيع وحتى لا يعمد البعض إلى طمس الدلائل والحجج التي تُثبتها في ظل غياب عمل اللجنة. وكان عبد الفتاح عمر قبل وفاته قد وجه مراسلة إلى الحكومة يطلب فيها مقابلة حمادي الجبالي للنظر في احداث هذه الهيئة القارة الذي تأخر كثيرا. كما كان من المقرر ان يعقد اجتماعا يوم الثلاثاء الماضي بأعضاء اللجنة للنظر في هذا الامر ، لكنه توفي يوم الاثنين.
وبقطع النظر عن المآخذ، فان تجربة «لجنة عبد الفتاح عمر» طيلة الاشهر الماضية كانت متميزة وجلبت إليها الاهتمام والاحترام وقوبلت بالترحيب من الهياكل الدولية المعنية بالفساد والرشوة. ويبقى الحل الأمثل لاستكمال هذه التجربة الاولى المتميزة في تاريخ البلاد في مقاومة مظاهر الفساد المالي والاداري والرشوة هو ضرورة تعجيل الحكومة باحداث الهيئة الوطنية القارة التي جاء بها مرسوم 14 نوفمبر 2011 لتحل محل «لجنة عبد الفتاح عمر» مع ضرورة الاستفادة من خبرات أعضاء هذه الاخيرة في معالجة الملفات.
فاضل الطياشي