وأثارت مسالة افتتاح توطئة الدستور بشعار او آية قرءانية أو بيت شعري جدلا واسعا أمس بين أعضاء لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية وتعديل الدستور وبعد طول نقاش اتفق أعضاء اللجنة المذكورة على إرجاء مسألة «تصدير» توطئة الدستور الى حين الانتهاء من صياغة التوطئة نهائيا.
وتجدر الإشارة الى ان النائب احمد المشرقي هو الذي اقترح مسالة «تصدير التوطئة» واختلفت أراء النواب حول هذه المسألة فمنهم من رأى أن تتصدر التوطئة آية قرءانية يكرّم من خلالها الإنسان على غرار»ولقد كرمنا بني أدم» أو «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».فيما عارض جانب آخر منهم هذه المقترح واعتبروه غير ملزم على غرار النائب الحبيب خضر الذي شارك في اجتماع لجنة التوطئة.
القيمة الدستورية
كما عارضت ميّة الجريبي مقترح تصدير التوطئة لانها تعتبر انّ الدستور هو النص الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم والعلاقات المجتمعية وعلى هذا الأساس يجب إعطاء الدستور ذاته القيمة فما زاد عن اللزوم من شانه أن يضعف روح الدستور.
كما رأى النائب فتحي العيادي ان أجمل شعار يعبر على الثورة ويمكن أن يتصّدر التوطئة هو «إذا الشعب يوما أراد الحياة».
واعتبر النائب المولدي الرياحي ان المهم في التوطئة هو مدى إبراز روح الدستور وتوجهاته ومدى ارتباطها بالمحاور الكبرى من تاريخ تونس ونضالات شعبها والقيم التي يقوم عليها المجتمع ويتمسك بها في حاضره ومستقبله.
عناصر التوطئة
كما انطلق أعضاء لجنة التوطئة في الحصة الثانية من اجتماع أمس في مناقشة المضامين المتعلقة بالعناصر الستة الأساسية للتوطئة وهي الوفاء للتاريخ النضالي ومصادر الاستلهام والنظام الجمهوري والقيم العامة للبناء والانتظارات الحضارية وقوّة التوطئة.. وستتواصل النقاشات في المضامين الى حين صياغة عينات من التوطئة.
واتجهت الاغلبية في لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما نحو تصنيف القوانين بين أساسية وعادية والمصادقة عليها وفقا لإجراءات مختلفة مع ضرورة إعطاء القوانين العادية القيمة التي تستحقها.
وتركز عمل اللجنة المذكورة حول مسالة تصنيف القوانين الأساسية وهي التي تهم مجالات محددة في الدستور عادة ما تتعلق بالحريات والمسائل السياسية كالقانون الانتخابي وقانون الأحزاب في حين أن القوانين العادية تهم السياسات العامة كالصحة والتعليم وتكون إجراءاتها اقل تعقيدا لأنه تكفي المصادقة عليها بأغلبية الحاضرين.
وكان النائب سمير بالطيب اقترح إلغاء مبدأ التصنيف في القوانين حتى يلعب البرلمان المقبل دوره كاملا في المسائل التشريعية.
أما اجتماع لجنة الجماعات العمومية الجهوية والمحلية فقد تلخص في تحديد الخطوط العامة التي سيتم الاعتماد عليها في التصور المستقبلي للجماعات العمومية الجهوية والمحلية على اعتبار قربها من المواطن لأن هذا التصور يجب ان يكون ممثلا في جماعات محلية ذات شرعية.
كما ناقش أعضاء اللجنة مسألة البحث في آليات تمويل جديدة وفي استقلالية القرار المالي والإداري للجماعات المحلية.
الحق في الشغل
وناقش الحاضرون في لجنة الحقوق والحريات موضوع الأسرة وحقوقها ومسالة ضمان حد أدنى من الدخل والعيش الكريم وأكدوا خاصة على ضرورة دسترة حق الشغل والصحة والتعليم والسكن اللائق.
وعند الحديث عن الحق في العمل أجمع أعضاء اللجنة على ضرورة الارتقاء بهذا الحق إلى مرتبة دستورية نظرا لأن الثورة قامت أساسا نتيجة البطالة، وفي هذا السياق أكد ابراهيم القصاص على ضرورة توفير منحة البطالة لجميع العاطلين عن العمل وبين أن هؤلاء لا يجدون حتى اجرة التنقل للبحث عن شغل.وذكر علي فارس أن البطالة تؤدي الى تفكك الاسرة وتفاقم المشاكل المادية والطلاق وتفشي التشرد والاجرام. واعتبر ان الحق في العمل غير قابل للنقاش والتنازل عنه أوتنسيبه، شريطة ن يكون العمل ملائما للأسرة ويحفظ كرامة أفرادها وأن يكون لائقا واعتبر المناولة سمسرة بعرق العمال مثلها مثل العمل بعقود محدودة المدة ودون تغطية الاجتماعية..
وبرز أثناء النقاش توجهان، تمثل الأول في تمكين المرأة من شغل ملائم يساعدها على رعاية أطفالها وحمايتهم وتربيتهم وآخر يرى أن المرأة والرجل سيان وليس من المقبول التفرقة وتحديد أعمال مناسبة للمرأة وأخرى مناسبة للرجل لأن مسؤولية رعاية الأطفال والعناية بشؤون المنزل هي مسؤولية مشتركة بينهما وليست ملقاة على كاهل المرأة وحدها.
وفي هذا السياق قالت حسناء مرسيط يجب ان يضمن الدستور للأم العاملة البقاء مع ابنائها اربع سنوات امومة مع تمكينها من نصف الأجر وتمكين المرأة غير العاملة من منحة أمومة بهدف تأسيس جيل سليم.. ولضمان حق الطفل في الرعاية ترى سلاف القسنطيني ضرورة ان يضمن الدستور حق الطفل في الرعاية والتنشئة السليمة بصورة يراجع فيها تشغيل الأمهات حتى لا يحرم الطفل من رعاية سليمة وحق التمتع بالأمومة.
وفي المقابل بينت منيرة عمري انه ليس من باب المساواة تحديد الأعمال المناسبة للمرأة والأعمال المناسبة للرجل فالمسؤولية مشتركة بين الزوجين.. وأكدت ان العناية بشؤون الاسرة هي مسؤولية الأب والأم معا.. واعتبر محمد الطاهر التليلي : ان حماية المرأة ليس فقط في اعطائها الشغل بل في حمايتها من الشغل أيضا ففي الواقع نجد المرأةفي عديد المجالات أقل راتبامن الرجل ونجد المرأة تشتغل في القطاعات المرهقة خاصة العمل الفلاحي والمصانع وتجبر على العمل ايام العطل في كثير من الأحيان دون مقابل لكن الدولة صامتة عن كل هذه التجاوزات، وأكد أنه على الدستور حماية المرأة. وطالب محمد العلوش بإقرار عدم التمييز بين الرجل والمرأة في العمل والأجر كما طالب بإقرار مجانية التنقل والحق النقابي وحق الاضراب. وقالت سلمى بكار ان المساواة بين المرأة والرجل يجب ان تكون تامة وأضافت: «فنحن نريد دستورا يحمي الأسرة ويحمي الطفل الذي يحتاج الى الام والاب لكي ينمو ويتطور ويصبح مواطنا صالحا.. ويتطلب هذا الامر مراعاة اوقات العمل بالنسبة للأسرة حتى يعود الاب والام مبكرا ويجدان متسعا من الوقت للتحاور مع الابناء ورعايتهم وانا اطالب بالمساواة بين الام والاب». وشدد مراد العمدوني على أن النقطة الأولى التي يجب أن يتم التنصيص عليها في الدستور هي المساواة التامة بين الرجل والمرأة وكل ما سيقال فيما بعد ذلك ينسحب على المرأة مثلما ينسحب على الرجل..
وفي ما يتعلق بحق التعليم تحدث العمدوني على ضرورة ان يكون هذا التعليم جيدا اجباريا ومجانيا الى حدود سن 16 سنة ، وبين ان النظام القديم كرس الرداءة وأن التلاميذ كانوا يمارسون الغش إلى درجة أنه اصبح في اذهانهم حقا مكتسبا.. وشدد على أن المطلوب من النظام التربوي انتاج جيل يبادر ويعول على نفسه وطالب بالتنصيص في الدستور على البعد الابداعي للتعليم وعلى ان يكون التعليم جيدا مع مقاومة ظاهرة تشغيل الاطفال وضمان تكوين مهني جيد ومطلوب في سوق الشغل للمنقطعين عن الدراسة.
وأكد ابراهيم حامدي على الحق في التعليم وبين أنه يجب ان يكون مفعلا في الدستور.. ولاحظ أن التلاميذ في سيدي بوزيد والقصرين يعانون من البعد الجغرافي لمدارسهم عن منازلهم ويقضون ساعات طويلة مشيا على الأقدام للوصول إلى اقسامهم ويبددون الكثير من الجهد والوقت لا لشيء إلا للنقص المسجل في عدد المؤسسات التربوية كما يعانون من سوء التغذية لعدم توفر مطاعم مدرسية.
وأجمع اعضاء اللجنة على ضرورة التنصيص في الدستور على الحق في الصحة وهو ما يتطلب القضاء على التفاوت بين الجهات حيث توجد الكثير من المستشفيات والمستشفيات الجامعية في السواحل وتنعدم في الولايات الداخلية وشدد ابراهيم حامدي على أن الحق في الصحة يعني ضرورة تكثيف عدد المستشفيات الجامعية والمؤسسات الصحية العمومية وتوفير الأدوية اللازمة.
ولم يخف أعضاء اللجنة تحمسهم لدسترة حقوق ذوي الحاجيات الخاصة والأطفال المولودين خارج إطار الزواج.. وفي هذا السياق قال محمد الصغير :»إن الاسرة قائمة على علاقة الزواج الشرعي وهي الخلية الأساسية للمجتمع ونحن نشجع على تكوين الأسرة من خلال الزواج الشرعي لكن هذا التعريف لا يلغي الابناء الذين يولدون خارج اطار الزواج الشرعي وعلى الدولة مراعاتهم وتمكينهم من العيش الكريم من الدراسة والسكن.. وعلى المجتمع التونسي كفالة هؤلاء الأطفال. والتنصيص في الدستور على مؤسسة تحميهم. وكذلك الشأن بالنسبة للمسنين العجز إذ يجب تكريس مبادئ رعايتهم في المجتمع». كما طالب الصغير بالمسكن اللائق للأسرة وهو نفس ما دعا إليه ابراهيم القصاص. ولاحظ محمد كراي الجربي ان المكفوفين والصم والبكم والمتخلفين ذهنيا يعانون كثيرا ولكن لا أحد يراقب كيفية التعامل معهم.
القضاء الاداري
وفي لقاء أعضاء لجنة القضاء العدلي والاداري والمالي مع اتحاد القضاة الاداريين استمعوا إلى التصورات التي قدمها رئيس الهيئة التأسيسية لهذا الاتحاد أحمد صواب وبقية الأعضاء.. وهي ترتكز على عدة مبادئ أولها مواصلة انتهاج مبدإ الازدواجية القضائية كخيار أساسي في المنظومة القضائية وادراج عنوان موحد للسلطة القضائية صلب الدستور المرتقب يضمن بابا يعنى بمبادئ استقلال السلطة القضائية التي تنطبق على جميع اصناف القضاة وأبواب خاصة بكل صنف منهم.
كما ترتكز على فك الارتباط بين المحكمة الادارية ودائرة المحاسبات كمكونين لمجلس الدولة وذلك بإحداث هيكلين اثنين يختص الاول بالنزاعات الادارية والثاني بالقضاء المالي للدولة. وتكريس لا مركزية المحكمة الادارية وذلك بإعادة هيكلتها على نحو يكون فيه القضاء الاداري أكثر قربا من المتقاضين وذلك عبر إحداث محاكم إدارية ابتدائية بالجهات ومحاكم استئناف إدارية ومحكمة إدارية عليا. وتضمين الدستور واجب الادارة في تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكم القضاء الاداري بغية اكساب هذه الاحكام النجاعة انطلاقا من فكرة أن لا فائدة من قضاء لا نفاذ له.
وترتكز أيضا على تأكيد استقلالية المحكمة الادارية عن السلطة التنفيذية بإقرار مبدإ الانتخابات في تركيبة المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية بالنسبة لكل أعضائه بمن فيهم رئيسه والارتقاء بالدور الاستشاري للمحكمة الادارية إلى مرتبة دستورية.
وخلال النقاش استفسر أعضاء المجلس التأسيسي خاصة عن اشكاليات عدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية وعن جدوى عملية اقرار مبدإ الانتخاب في تركيبة المجلس الأعلى للمحكمة الادارية وعن الجدوى من الإبقاء على الازدواجية القضائية كما قدم عبد الرؤوف العيادي أمثلة عن حيف القضاء الاداري وهو نفس ما تحدث عنه كمال بن رمضان وأكد على أن اصلاح القضاء لا يمكن ان يتم دون اصلاح المهنة ككل. وبين رابح الخرايفي ان القضاء الاداري كانت له قرارات تتسم بالجرأة وتساءل عن الآليات التي تمكن من مواجهة تغول القاضي وأيضا من الحد من سلبيته وعبر محمد نجيب حسني عن حلم يراوده منذ أمد بعيد وهو تأسيس سلطة قضائية حقيقية وبينت فطومة عطية انه رغم الاتفاق حول التوجهات العامة لإصلاح المنظومة القضائية فإن مسألة تكوين القاضي لم تطرح بالكيفية المطلوبة فإضافة الى الاهتمام بالهيكلة يجب على حد تعبيرها الاهتمام بالتكوين في القضاء الاداري وقال سمير الطيب ان مستوى القضاة الاداريين في تونس جيد وان ابواب هؤلاء كانت مفتوحة للمعارضين والنقابيين.
واجابة عن بعض التساؤلات الأخرى أكد أحمد صواب ان تسعين بالمائة من أحكام المحكمة الادارية سابقا وقبل الثورة كانت تنفذ خلافا للاعتقاد السائد اما الاحكام التي لا تنفذ فهي لأسباب سياسية بالأساس وذكر ان الاشكال الكبير يتمثل في تسمية الرئيس الاول للمحكمة الادارية. واكد على اهمية ارساء لامركزية القضاء الاداري لتقريبه من المواطن. وبين ان المحكمة الادارية قامت بعدة اجتهادات للتقليص من الاجراءات واشار بقية اعضاء الاتحاد الى انه لا يمكن توحيد القضاء نظرا لاختلاف رتب القضاة الاداريين عن القضاة العدليين وسلم الاجور ايضا..
تغطية: جهاد الكلبوسي وسعيدة بوهلال
المصدر : الصباح