وبناء على هذه النسب المصرح بها فإن عدد العاطلين عن العمل في البلاد بات في حدود 890 ألف، من بينهم أكثر من 300 ألف من حاملي الشهادات العليا، وذلك دون احتساب العاملين الموسميين الذين يمكن تصنيفهم طبقا للقانون العالمي للشغل ومنظماته الدولية ضمن صفوف البطالين إذا ما كانت نسبة عملهم لا تتعدى 77 يوم عمل في السنة، أو أن طريقة عملهم تكون متقطعة ولا تتوفر فيها طريقة استرسال تصل إلى معدل 18 يوما في الشهر.
ويقدر هذا الصنف من العمال في تونس إذا ما احتسبنا عمال قطاع البناء والحضائر والنشاط الفلاحي الموسمي (جني الزيتون، والقوارص)، وغيرها من النشاطات المتعددة في القطاع الخاص بحوالي 120 ألف عامل، إضافة إلى أعداد النساء العاملات في القطاع الفلاحي اللاتي يقدر عددهن بما يناهز 150 ألف امرأة، واللاتي يبقين من المهمشات في دورة الشغل القارة بالبلاد، رغم الدور الأساسي الذي يلعبنه في عديد القطاعات الفلاحية والصناعية.
وينضاف إلى صفوف البطالين في تونس سنويا الأعداد الأخرى من الشبان من خريجي التكوين المهني سواء منه العمومي أو الخاص، وكذلك أعداد العمال المسرحين من العمل تحت عناوين إفلاس الشركات التي كانوا يعملون بها.
مواجهة ظاهرة البطالة
اتسمت خطط مواجهة ظاهرة البطالة في تونس بجملة من البرامج « الوهمية » و »الترقيعية » في العهد السابق، وهو ما زاد في تعميق الظاهرة واستفحالها وذلك على مستوى القطاعين العمومي والخاص.
كما تفاقمت ظاهرة العجز على مستوى التشغيل والانتدابات خاصة في ظل أساليب العقود الهشة، والمناولة، وهو باب قد فرض عبر مجلة الشغل في فصولها 228 و229 و230 التي فتحت المجال واسعا أمام أصناف التشغيل الهش، الذي أصبح الأسلوب الأنسب بالنسبة لأرباب العمل في القطاع الخاص.
كما تم اعتماد هذا الأسلوب كوسيلة ضغط نقابية وسياسية في عديد المؤسسات العمومية وشبه العمومية الأمر الذي قاد إلى ظهور جزء هام من اليد العاملة التي تتعاطى شغلا هشا، ومعرضة للطرد والبطالة والتهميش في أي وقت من الأوقات بناء على عقود العمل التي تربطها بالمؤسسة أو في غياب عقود بشكل عام، وهي أساليب قد خطط لها ضمن كل مخطط تنموي خماسي وذلك للتحكم في العجز الاقتصادي والفاقة والصعوبات الاجتماعية التي تنامت بشكل تصاعدي بداية من المخطط الثامن للتنمية الذي تفجرت فيه ظاهرة البطالة لتشهد تصاعدا استقر في حدود نسبة 15 في المائة حسب التقارير الرسمية للدولة.
وضعيات صعبة وقاسية
هذه الصعوبات ولدت وضعيات صعبة وقاسية لمئات الآلاف من العمال، زادتها الظروف التي أحاطت بالبلاد منذ اندلاع الثورة، حيث تأثر واقع التشغيل بصعوبات تأتت من الإضرابات والاعتصامات، وغلق وحرق العديد من المؤسسات، علاوة على تعطل بعض المؤسسات الكبرى على غرار قطاع المناجم الذي يشغل آلاف العمال ويحظى بمردودية اقتصادية هامة.
ورغم أن الإرث الذي تركه نظام المخلوع كان ثقيلا في هذا الجانب، ولا يمكن حله بسهولة أو خلال فترة قصيرة نتيجة لتداخل الأوضاع فيه وتشعب الحلول بشأنه، فإن الحلول التي تم اعتمادها خلال سنة 2011 وإلى حد الآن كانت هي الأخرى هشة إن لم نقل غير فاعلة بالمرة، وهكذا بقي العاطلون عن العمل ينتظرون أن تجد الحكومة الحالية حلولا جذرية لمشكلاتهم لا حلولا ترقيعية على غرار التربصات والتأهيل للعمل وغيرها من الأساليب التي مجّها الجميع ولا تحميهم من طمع المشغلين والعقود الوهمية.
كما أظهرت بعض الحلول التي تم اعتمادها للتخفيف من ضغط المطالبة بالشغل أيضا عدم قدرتها على التخفيف من ضغوطات الطلب على الشغل، وذلك على غرار منحة « أمل » التي تم اعتمادها بعيد الثورة والتي لم ترض من ناحية الحاصلين عليها، ثم لم تغط حتى كافة الشبان المعطلين عن العمل في كامل أنحاء البلاد.
وضمن معالجة ظاهرة البطالة واستفحالها يقول السيد فتحي العياري المنسق السابق للتغطية الاجتماعية بالاتحاد العام التونسي للشغل أن الاتحاد كان قد قدم منذ 5 سنوات خلت مقاربة لامتصاص ظاهرة البطالة ولو تدريجيا، وتتمثل المقاربة في إحداث صندوق بطالة تساهم فيه الحكومة وأرباب العمل والمنظمات الاجتماعية، غير أن مقاربة الاتحاد قوبلت بالتهميش والرفض من طرف الحكومة على وجه الخصوص.
اعتبر فتحي العياري أن مطلب الصندوق يتأكد اليوم خاصة في ظل فشل كل الطرق والأساليب الحاصلة وفي ظل تفاقم ظاهرة البطالة والعجز على تجاوزها ولو نسبيا، وفي ظل تزايد أعداد العاطلين عن العمل.
ويضيف أن الصندوق يجب أن يكون آلية ناجعة لمساعدة العاطلين عن العمل، ويكون تمويله من كل الأطراف بما في ذلك العمال ليكون آلية ناجعة لمساعدة العاطلين عن العمل وليمثل أيضا بابا لفك جملة الضغوطات التي تهدد الاقتصاد ومجالات نموه، كما يجب أن يكون له مجلس إدارة ممثل من كل الأطراف المشار إليها آنفا.
وتبقى مقاربة الاتحاد العام التونسي للشغل المتمثلة في صندوق البطالة أهم خطة يمكن من خلالها تجاوز الصعوبات التي تمر بها البلاد في معالجة ظاهرة البطالة والطلب المتزايد عليها، وهي مقاربة ينتظر أن تكون محل اهتمام في برامج الحكومة الحالية، وتأييد من قبل المجلس التأسيسي الذي علمنا أنه منكب على وضع مقاربة ينتظر أن يقدمها للحكومة في الفترة القريبة القادمة، وقد استأنس في مقاربته ببرنامج الاتحاد في هذا الشأن.
علي الزايدي
المصدر : الصباح