لكن رغم أن القضية منشورة وأجريت حفريات لجمع الرفاة واخضاعها لتحليل الحمض النووي فإن العائلة لم تحصل حسب ما أوردته ابنة لزهر الشرايطي ربح على أية نتيجة بل لا تعرف تحديدا في أي مكان وقع دفنه صحبة باقي المحكوم عليهم بالاعدام آنذاك.
ولم يكف أن الشرايطي لم يتمتع بمحاكمة عادلة اذ منعت زوجته السويسرية من تسخير محاميين أجنبيين للدفاع عنه ولم تحصل أيضا حتى على أدباشه ولم تعرف العائلة أين دفن في هذه المحاكمة التي لم يحضرها الا قضاة محكمة أمن الدولة (آنذاك) ودخلت العائلة في مرحلة المعاناة. لزهر الشرايطي الذي نال وسام الشرف من الجيش السوري بعد مشاركته في الحرب ضد اسرائيل متطوعا للدفاع عن حرمة الأرض العربية وذلك بين 1947 و1949 نالت عائلته جزاء سنمار رغم أنه بطل وطني وقد عثرت ابنته ربح على وثيقة صنف فيها ضمن الأبطال الوطنيين مع حنبعل وغيرهم.. لكن في النهاية لفقت له تهمة الانقلاب على بورقيبة والحال أنه طالب آنذاك بانقاذ الوضع الاجتماعي والاقتصادي للتونسيين الذين أنهكتهم الحرب.
العائلة ذاقت الأمرين
في مصر تعرّف على جمال عبد الناصر وحتى على بورقيبة وعندما عاد الى تونس ناضل مع أحمد التليلي وفرحات حشاد وقاد المقاومة المسلحة في جبل «عرباط» بقفصة وعديد المناطق.
بعد الاستقلال كان المنعرج في حياته وانطلقت معاناة العائلة بعد اعدام البطل الوطني وحرمت عائلته من أمواله وذاقت الأمرين حيث تقول ابنته ربح أن والدها مولود بالمظيلة وهو من عمال المناجم وتزوج من ابنة عمه التي أنجبت له ربح وأمينة وكانت زوجته مشاركته في رحلته النضالية..
انتقل الى العاصمة بعد الاستقلال ورفض الاقامة بدار الباي بحمام الأنف لانها ملك الدولة واشترى منزلين بواسطة قرض من الشركة التونسية للبنك.
ولأنه كان يريد انجاب ذكر فقد تزوج من سويسرية ولم يعقد قرانه عليها إلا بعد استشارة زوجته الأولى التي قبلت أن تعيش معها عروسه الجديدة وأرضعت أبناءها الثلاثة الذين تربوا مع أختيهما قبل أن تهرب السويسرية الى بلدها بعد أن وقع تجويع عائلة الشرايطي إثر اعدامه وذلك كرد فعل منها على ما لقيته العائلة من ظلم رغم أنها أسرة بطل كبير دوّخ القوة الفرنسية وساهم بقسط كبير في دحر الاستعمار.
أمل وانتظار
جرح عائلة الشرايطي لم يندمل الى اليوم حيث أكدت ابنته ربح أنها تعيش على أمل استعادة رفات والدها لدفنها في قبر معروف يمكن للناس زيارته وتخليد ذكرى هذا البطل.. خاصة أن أولاده كانوا أقاموا قبرا افتراضيا على الشبكة العنكبوتية الى حين استرجاع رفاته.
الأم السويسرية أسلمت قبل الزواج وسماها سامية وأنجبت سليم وحمزة (مقيمان حاليا بالخارج) وقد تعرضت لصدمة وهي حبلى بالابن الثالث عندما قبض على الشرايطي وتم الاستيلاء على وثائقه في بيته وأنجبت المولود الثالث قبل اعدام لزهر الشرايطي الذي اقترح أن يسميه كريم لعلّ الله يكرمه في محنته.
صدمة شديدة
ورغم ما حدث للزوجتين بعد اعدام بطل تونس فقد كابدتا من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة الى اليوم حيث قامت ربح منذ أعوام بدعوة كريم الى تونس وأقنعته بضرورة دخول الاسلام وخضع لعملية ختان وهو في سن الثالثة والشعرين اذ قضى مدة هامة في المصحة وبعد مغادرتها أراد أن ينتقل الى المظيلة لمعرفة أهل والده لكن كانت صدمته كبيرة فقد كان يود وضع اكليل زهور على قبر والده فإذا به لم يجد له أثرا وعندما علم بالحقيقة زاد تأثره.
كريم مثل أخويه حصل على أكبر الشهادات في سويسرا وأصبح موسيقارا لكن من فرط الصدمة عندما علم بما حدث لوالده وكيف لم تحصل العائلة على رفاته انتحر شنقا إثر عودته من تونس الى سويسرا وترك رسالة أكد فيها أن سبب انتحاره هو ما حدث للبطل لزهر الشرايطي وأسرته حيث كان ينتظر أن يكرم والده لا أن يدفن في مكان مجهول ولا تعرف عنه العائلة شيئا منذ 50 عاما..
ابنته ربح سعت منذ عديد السنوات واتصلت بكل الجهات المعنية لكنها لم تنل إلا التسويف وصدمت بمواقف بعض المسؤولين وها أنها بعد الثورة تنتظر انصافها من الحكومة الحالية فمتى ترى هذه العائلة الفرج خاصة أنها تعيش على حلم استعادة حقها المهدور منذ عقود..
ابنته ربح تضع النقاط على الحروف
ابنة البطل الوطني لزهر الشرايطي التي أمدتنا بعديد المعلومات عن والدها أكدت أيضا أن عائلتها رفعت شكوى لدى المحكمة العسكرية لاستعادة رفات والدها ولم توكل أي محام لرفع قضية ضد الباجي قائد السبسي وتريد أن توضح ذلك على خلفية ما نشرناه في العدد الأخير من «الأسبوعي» حيث أرادت أن تؤكد أن عائلتها غير معنية بهذا الموضوع وتحديدا بهذه القضية…
عبد الوهاب الحاج علي
المصدر : الصباح