في ظل هذا الارتفاع لعدد قضايا المخدرات الخفيفة خاصة من نوع «الزطلة» بعد الثورة، تعالت بعض الأصوات تطالب بضرورة تنقيح القانون الخاص بهذه النوعية من القضايا وعدم تجريم مستهلكيها مبرزين ذلك بأن مخلفاتها على صحة الإنسان طفيفة ولا تشكل خطورة عكس ما تذهب اليه الآراء الطبية وهو ما سنبيّنه لاحقا.
ينتظر أن تنظم وقفة احتجاجية يوم 18 فيفري أمام وزارة الداخلية للمطالبة بعدم تجريم مستهلكي المخدرات الخفيفة وهو ما دعا اليه نشطاء على المواقع الاجتماعية. وقد كان سليم عمامو الناشط الحقوقي والمدوّن المعروف هو الذي كان ضد حجب المواقع في تونس قد أعلن في شريط فيديو تمّ تداوله على المواقع الاجتماعية أنه ضد تجريم استهلاك المخدرات الخفيفة، خصوصا أن عدة حكومات قد أجازت بيع واستهلاك المخدرات التي توصف في البلدان الغربية بالخفيفة.
العقاب جزء من الردع.. لكن
من جهته أكد الاستاذ الطاهر يحيى على ضرورة مراجعة القانون الخاص بالعقوبات المفروضة على مستهلكي المواد المخدرة؛ ذلك أن العديد منهم اتهموا في مثل هذه القضايا لمجرد أنهم كانوا حاضرين في إحدى الجلسات مع مستهلكين، لذا وجب مراعاة الظروف الاجتماعية والتخفيف من العقوبة المستوجبة والأخذ بعين الاعتبار لظروف التخفيف.
كما اعتبر الاستاذ يحيى أن تشديد العقاب جزء من عملية الردع واقترح وسائل وطرقا أخرى كبديل لحماية الشخص مثل إدماجه في الحياة العامة ومساعدته أولا على الإقلاع عن استهلاك هذه المواد وهو ما تفتقده السجون إلا في حالات استثنائية وبالتالي تكون مساهمة في العود.
«إشاعة» وراء تفشي ظاهرة الإدمان بعد الثورة
في نفس السياق أكد مصدر أمني فضّل عدم الكشف عن هويته أن الزطلة تعتبر الأكثر رواجا في تونس ولو أن مواد أخرى بدأت تعرف طريقها في «السوق» رغم أسعارها الباهضة وهي «الكوكايين» و»الهيروين» ويبقى «السوبيتاكس» و»البركيزول» أكثر تداولا في الأعوام الأخيرة خاصة لدى الفئات الشابة.
نفس المصدر أكد أن تونس تعد منطقة عبور سواء لبلدان إفريقيا أو بلدان أوروبا للتزود بهذه المواد المخدرة التي يتم توريدها من بلد عربي مجاور ووصولها لولايات بالجمهورية على غرار القصرين وقفصة لتسهيل عملية التبادل ثم يتم نقلها لولاية سوسة حيث يتم توزيعها بأقصى سرعة وذلك مخافة أن يتم التفطن لذلك وبالتالي القبض على مروجيها وعلى تلك السلع.
في جانب ثان بيّنت هذه المصادر أن تعاطي مثل هذه المواد المخدرة قد استفحل بشدة أثناء الثورة وبعدها حيث بات العدد لا يحصى ولا يعد خصوصا لدى الفئات العمرية التي تتراوح أعمارها بين 20 و40 سنة .ومما زاد في تفاقمها بث المروجين لإشاعة مفادها أن التحليل المخبري قد تم الغاؤه وأن القانون صار لا يعاقب مستهلكي هذه المواد؛ لذا أقبل العديد من الفئات بمختلف أعمارهم ومستوياتهم على هذه المواد المخدرة.
مختص في الأعصاب لـ«الأسبوعي»: فقدان الذاكرة..الشلل..أبرز ما ينتظر المتعاطين
لمعرفة المخلفات التي يمكن أن تفرزها هذه المواد خصوصا على المدى البعيد اتصلنا بالدكتور فيصل الهنتاتي رئيس قسم بالمعهد الوطني لأمراض الأعصاب بالرابطة الذي أكد أن تعاطي المخدرات ظاهرة صارت متفشية كثيرا بالعاصمة خصوصا بالأوساط الجامعية. وقد علل إقدام شريحة الطلبة خصوصا على تعاطي مثل هذه المواد لاعتقادهم أنها تساهم بشكل كبير في تنشيط الذاكرة وتكسبهم حيوية تساعد على عملية الحفظ والاستيعاب.
لكن في المقابل أكد الدكتور الهنتاتي أن لهذه المواد المخدرة الخفيفة تأثيرات سلبية على المدى البعيد حيث إن متعاطيها يمكن أن يشتكي من أوجاع على مستوى الرأس وأن يصاب بنقص تدريجي في الذاكرة، كما يمكن أيضا أن يعاني من أمراض نفسانية تجعله يفضل الانزواء والوحدة.
في نفس الإطار أكد الدكتور الهنتاتي أن تأثيرات هذه المواد المخدرة الخفيفة تختلف عن بقية أنواع المخدرات الأخرى التي لها انعكاسات فورية وخطيرة جدا على صحة متعاطيها؛ مشيرا في نفس السياق الى أن هذا التأثير يختلف باختلاف المادة التي يتعاطونها. كما بين أيضا أن هناك ظاهرة جديدة برزت في الأوساط المهنية ضعيفة الدخل ممن ليس لهم مستوى علمي وثقافي تتمثل في إقدام هذه الفئات على تعاطي البعض من الأدوية المخصصة للمرضى النفسانيّين لعل أبرزها «الباركيزول» و»الأرطال» حيث يتم بيعها بأسعار باهضة؛
مضيفا أن ظاهرة أخرى بدأت تتفشى داخل الاوساط المدرسية وهي استنشاق مواد كيميائية على غرار»اللصاق» يتم وضعها في أكياس، هذه الظاهرة كما أبرز محدثنا لها انعكاسات خطيرة على صحة الفئة الهشة وتخلف مضاعفات عصبية تصل حد الشّلل خصوصا بعد فترة مطولة من التعاطي. وقد ذكر الدكتور في نفس السياق أن أكثر نسبة من المتعاطين هم أولئك الذين تم طردهم من المعاهد ولم يسعفهم الحظ في مواصلة دراستهم حيث يعتقدون أن تناول مثل هذه المواد يجعلهم يهربون من الواقع لشعورهم بعدم الإحاطة والعناية من قبل عائلاتهم، وقد أكد الدكتور الهنتاتي أن هناك العديد من الحالات يصعب مداواتها.
سعيدة الميساوي
المصدر : الصباح