وإذا كنا لا نملك إجابة عن سبب إدلائه بهذه المعلومة الخطيرة في هذا الوقت بالذات فيما يحتفظ الوزير الأول الأسبق بالسر فإن السؤال المطروح هو: هل يمكن أن تساعد هذه المعلومة في القضايا الجارية المتعلقة بشهداء وجرحى الثورة والمحاكمات؟
للإجابة عن مدى إفادة هذه المعلومة الخطيرة بيّن مختص القانون مصطفى صخري: «يفترض أن المحاكم المتعهدة بقضايا شهداء وجرحى الثورة وخاصة المحكمة العسكرية الدائمة بتونس وكذلك المحكمة العسكرية الدائمة بالكاف أن تتوليا التحرير على الوزير الأول الأسبق كشاهد بما أن المحكمتين المذكورتين متعهدتان بقضايا تتعلق بوزيري الداخلية الأسبقين وعدد كبير من المديرين وأعوان الأمن خاصة أن ما صرح به محمد الغنوشي للقناة الوطنية لا يمكن أن يعد من الناحية القانونية الصرفة بمثابة شهادة باعتبارها تعتمد الشهادة التي نتلقاها لكن يمكن للمحكمة أيضا إضافة الى التحري في تصريحات الوزير الأول الأسبق بصفة ملية طرح أسئلة أخرى لها علاقة بما عرفته البلاد من اطلاق للرصاص على المتظاهرين ومن كان يوجّه تلك الأوامر خاصة أنه يستخلص من تصريحات محمد الغنوشي:«أن المخلوع» كان منفردا في اتخاذ القرار وكان دمويا في ما عزم عليه من تصفية ألف شخص أو ألفين وهو رقم يوحي بأن «المخلوع» كان يخطط لإبادة المتظاهرين..».
من المستفيد؟
من المستفيد من تصريح محمد الغنوشي؟ وماذا يمكن أن يضيف في المحاكمات؟ هنا يقول الأستاذ مصطفى صخري:« للمحكمة في إطار إنصاف المتهمين المحالين عليها وإنصاف أهالي شهداء وجرحى الثورة لها أن تستمع عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 144 من المجلة الجزائية الى كل من ترى فائدة في سماعه ولو بصفة تلقائية حتى وإن لم يقع التمسك بذلك الطلب من أطراف النزاع سواء كانوا متهمين أو متضررين وعليه فإنه للحقيقة التاريخية وفي إطار عدالة انتقالية شفافة فإن المحاكم المتعهدة بقضايا شهداء الثورة وجرحاها ملزمة أيضا بسماع جميع الأطراف التي لها علاقة بالأحداث التي عرفتها البلاد إبان الثورة وخاصة الأشخاص الذين لم يقع سماعهم من قبل التحقيق في ما يتعلق بعزم المخلوع على السياسة الدموية لقمع الثورة بغية كبح جماحها..».
لا للمؤاخذة..
ويواصل الأستاذ مصطفى صخري حديثه عن جدوى هذا التصريح في مثل هذا الوقت بالذات قائلا:«ربما العذر الذي يمكن أن نجده للوزير الأول الأسبق اذ لم يقع سماعه من قبل التحقيق حول الشهداء وجرحى الثورة ولكن أن يصرّح الآن أفضل من أن لا يصرّح أبدا وما قاله أمر إيجابي حتى وإن أتى متأخرا كما لا يمكن مؤاخذة التحقيق على ذلك بناء على أن اسم الوزير الأول الأسبق لم يرد على لسان المتهمين في قضايا أخرى…».
ويقول محدثنا أيضا:« مهما يكن بامكان المحكمة العسكرية بطوريها الابتدائي والاستئنافي استدعاء الوزير الأول الأسبق كشاهد وليس له أن يمتنع عن الحضور وعن الإدلاء بشهادته وبمقدورها أيضا أن تصدر في حقه بطاقة جلب خاصة أن ذلك في إطار تسيير مرفق القضاء الذي يفترض حتما ايصال الحق الى أصحابه فالمحكمة ملزمة بالبحث عن أدلة البراءة والادانة على حد سواء خاصة وأن الأصل في الانسان البراءة ويجب أن يحاكم في محاكمة علنية تضمن له كافة مقومات المحاكمة العادلة»..
مسألة تقديرية
وحول سؤال عن المستفيد من الاستماع للغنوشي قال الأستاذ مصطفى صخري:« سماع هذا الشاهد لا يعني مطلقا أن ذلك سيلحق ضررا بشهداء الثورة وجرحاها بل يؤكد نزاهة القضاء التونسي وعدالته وشفافيته لقطع الطريق أمام من قد يذهب الى خلاف ذلك لكن سماع أي شاهد في محاكمة لا يعني أنه آمر آلي وحتمي بل يرجع الى اجتهاد المحكمة وقناعتها وبالتالي فالمسألة تقديرية فإن اتضح لها أن الملف جاهز للفصل حسب المؤيدات والوثائق والشهادات فلها الاكتفاء بذلك وإن اتضح أن الأبحاث منقوصة فلها أن تأذن بسماع أي طرف مهما كان مركزه في الدولة..».
تصريحات متضاربة
بالإضافة الى الاستفهامات التي تلت تصريح الوزير الأول الأسبق حول نية «المخلوع» في قتل عدد هام من المواطنين لاعادة الاستقرار وكبح جماح الثورة لوحظ أيضا تضارب في الأقوال ففي شهادة محمد الغنوشي بعد 14 جانفي قال إنه قرر يوم 14 جانفي الاستقالة واستعد لذلك بعد أن علم عن طريق أحد المستشارين في القصر وأطراف أخرى أن «المخلوع» قرّر حل الحكومة والحال أن الأمر يخص الوزير الأول الأسبق قبل غيره وليس كما قال في التصريح التلفزي أنه قرّر الاستقالة بعد أن سمع أنّ بن علي ينوي تصفية عدد كبير من المتظاهرين وإذ يحسب للوزير الأول الأسبق أنه استقال بعد أن سمع بما ينوي «المخلوع» القيام به (وذلك حسب تصريحه) فإنه لا يفهم لماذا لم يدل بذلك في شهادته وقدم تفسيرا آخر لاقدامه على اتخاذ قرار الاستقالة يوم 14 جانفي 2011 أي عندما أحس أن هناك تجاوزا لصلاحياته فهو الوزير الأول آنذاك لكن معلومة حل الحكومة لا يملكها إلا أحد مستشاري «المخلوع» وسمير العبيدي وزير الإعلام…
عبد الوهاب
المصدر : الصباح